هل يوجد صيام في ليلة الاسراء والمعراج، النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والمرسلين، وقد بعثه الله تعالى للأمم كافة، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، بعكس الأنبياء السابقين الذين بُعث كل منهم إلى قومه خاصة، وقد خصَّ الله سبحانه وتعالى بمميزات عن غيره من الرسل، وأيّده بمعجزة خالدة وهي القرآن الكريم، وعُرف النبي صلى الله عليه وسلم حتى في أيام الجاهلية بالصادق الأمين، والمتتبع لسيرة حياة النبي صلى اللله عليه وسلم يجدها مليئة بالأحداث والوقائع التي تذهل السامع، وتدل على صدق نبوة هذا الرسول الأمي، ومن هذه الوقائع حادثة الإسراء والمعراج، التي تفوق خيال أي سامع، والتي كان القصد منها مواساة النبي صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه خلال فترة عصيبة مرَّ بها أثناء دعوته إلى الإسلام، وتخفيفًا من وطأة المعاناة التي عاشها والأذى الذي لحق به من قبل كفار قريش، ويهتم المسلمين جميعًا بمعرفة احداث هذه الواقعة وتفاصيلها، لذلك نجدها تصدرت عناوين البحث في الآونة الأخيرة، خاصة مع اقتراب ذكرى الإسراء والمعراج، لذلك تم طرح الكثير من الأسئلة بخصوص هذه الحادثة، ومنها، هل يوجد صيام في ليلة الاسراء والمعراج.

ما هي حادثة الإسراء والمعراج

توافق ذكرى الإسراء والمعراج يوم الإثنين المقبل الموافق الثامن والعشرين من شهر فبراير الجاري، وهو ذكرى اليوم الذي حدثت فيه رحلة الإسراء والمعراج للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي وقعت في السابع والعشرين من شهر رجب في السنة الثانية للهجرة، وتعد حادثة الإسراء والمعراج ثاني أكبر معجزة أيّد الله سبحانه وتعالى بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ونصره بها بعد معجزة القرآن الكريم، وما ثبت عند أهل السنة والجماعة أنه في تلك الليلة أُسري بالنبي عليه الصلاة والسلام ليلًا من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف، برفقة الملك جبريل عليه السلام على ظهر دابة تسمى البراق، ثمّ عُرج بروحه وجسده إلى السماوات العلا، وقد ذُكر ذلك في آيات القرآن الكريم في سوة الإسراء، حيث قال تعالى:

«سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ».

وقد وصل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة إلى السماء السابعة، حتى وصل إلى سدرة المنتهى، واطّلع على جنة المأوى، وكلّمه الله تعالى حينها، وفرض عليه وعلى الأمة التي تتبعه الصلوات الخمسة في اليوم والليلة، كما اطّلع النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته على النار، ورأى الملائكة، وجبريل عليه السلام بهيئته الحقيقية، وقد حدثت كل هذه الأحداث واقعًا لا مجازًا، تكريمًا من الله سبحانه وتعالى إلى نبيّه وتشريفًا له.
ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى إلى المسجد الأقصى، وصلّى إمامًا بالأنبياء، ثمّ عاد إلى مكة المكرمة في نفس الليلة وقبل طلوع الفجر، وذكرت آيات القرآن الكريم هذه الأحداث في قوله تعالى:

«أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى».

حكم صيام ليلة الإسراء والمعراج

من الصيام ما يعد فرضًا واجبًا على المسلمين، مثل صيام شهر رمضان المبارك، ومنه ما هو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصيام مستحب، مثل صيام يومي الإثنين والخميس، صيام يوم تاسوعاء وعاشوراء ويوم عرفة وغيرها، بينما حكم صيام يوم الإسراء ولمعراج فلا هو واجب ولا هو مستحب، فلم يثبت أو يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم يوم الإسراء والمعراج، فلا يعد صيامه سنة، فلو كان كذلك كان بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم من خلال سنته النبوية، أو لبين فضله كما بيّن فضل صيام يومي الإثنين والخميس أو يوم عرفة أو غيره من الأيام التي يُعد صيامها مندوبًا.

الاحتفال بالاسراء والمعراج

أوضحت بعض دور الإفتاء الإسلامية أنه وفقًا للمعروف لدى جمهور العلماء من السلف والخلف أن حادثة الإسراء والمعراج توافق السابع والعشرين من شهر رجب، وعليه يمكن للمسلمين الاحتفال بهذه الذكرى بمختلف الأعمال والعبادات التي تقرّب إلى الله عز وجل، وأن الاحتفال بمختلف الطاعات والقربات إلى الله سبحانه وتعالى هو أمر مشروع ومستحب، بغرض التعبير عن الفح بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمًا لشأنه الشريف، وأشارت الفتاوى الإسلامية إلى أن الأقوال التي تُحرّم الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج وهذا الحدث العظيم خلال سيرة حياة النبي صلى الله عليه وسلم هي أقوال فاسدة، وآراء ليس لها أساس من الصحة، وأقوال مبتدعة لا يجوز التعويل عليها أو الأخذ بها.

وعليه فإن الأقوال التي تُقر بصيام الاسراء والمعراج لا يصح تداولها، فعلى المسلمين الأخذ بمصادر التشريع الإسلامي الثابة، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولم يُذكر في أي منهما استحباب أو مشروعية صيام الإسراء والمعراج.